فصل: صَلاَةُ الإِشْراق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


صَلاَةُ الإِشْراق

التّعريف

1 - سبق تعريف الصّلاة في بحث صلاة‏.‏

وأمّا الإشراق‏:‏ فهو من شرق، يقال‏:‏ شرقت الشّمس شروقاً، وشرقاً أيضاً‏:‏ طلعت، وأشرقت - بالألف - أضاءت، ومنهم من يجعلهما بمعنىً‏.‏

وصلاة الإشراق - بهذا الاسم - ذكرها بعض فقهاء الشّافعيّة على ما جاء في بعض كتبهم، وذلك في أثناء الكلام على صلاة الضّحى‏.‏

ففي منهاج الطّالبين وشرحه للمحلّيّ قال‏:‏ من النّوافل الّتي لا يسنّ لها الجماعة‏:‏ الضّحى‏:‏ وأقلّها ركعتان، وأكثرها اثنتا عشرة ركعةً، ويسلّم من كلّ ركعتين‏.‏ قال القليوبيّ تعليقاً على قوله‏:‏ ‏"‏ الضّحى ‏"‏ هي صلاة الأوّابين وصلاة الإشراق على المعتمد عند شيخنا الرّمليّ وشيخنا الزّياديّ، وقيل‏:‏ كما في الإحياء‏:‏ إنّها ‏"‏ أي صلاة الإشراق ‏"‏ صلاة ركعتين عند ارتفاع الشّمس‏.‏

وفي عميرة قال الإسنويّ‏:‏ ذكر جماعة من المفسّرين‏.‏ أنّ صلاة الضّحى هي صلاة الإشراق المشار إليها في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ‏}‏ أي يصلّين، لكن في الإحياء أنّها غيرها، وأنّ صلاة الإشراق ركعتان بعد طلوع الشّمس عند زوال وقت الكراهة‏.‏

صَلاَةُ اْلأَوَّابِين

التّعريف

1 - الصّلاة، ينظر تعريفها في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة‏)‏‏.‏

والأوّابون جمع أوّاب، وفي اللّغة‏:‏ آب إلى اللّه رجع عن ذنبه وتاب‏.‏

والأوّاب‏:‏ الرّجّاع الّذي يرجع إلى التّوبة والطّاعة‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء للكلمة عن هذا المعنى‏.‏

سمّيت بصلاة الأوّابين لحديث زيد بن أرقم مرفوعاً‏:‏ «صلاة الأوّابين حين ترمض الفصال» وعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال‏:‏ «أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لست بتاركهنّ‏:‏ أن لا أنام إلاّ على وتر، وأن لا أدع ركعتي الضّحى فإنّها صلاة الأوّابين، وصيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر»‏.‏

وقت صلاة الأوّابين وحكمها

2 - قال الجمهور‏:‏ هي صلاة الضّحى، والأفضل فعلها بعد ربع النّهار إذا اشتدّ الحرّ واستدلّوا بحديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «صلاة الأوّابين حين ترمض الفصال» فقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «صلاة الأوّابين» هو الّذي أعطاها هذه التّسمية، وكان ذلك واضحاً في حديث أبي هريرة المتقدّم وفيه‏.‏‏.‏‏.‏ «وأن لا أدع ركعتي الضّحى فإنّها صلاة الأوّابين»‏.‏

ولذلك يقول الفقهاء‏:‏ من أتى بها ‏"‏ أي بصلاة الضّحى ‏"‏ كان من الأوّابين‏.‏

وينظر تفصيل أحكام صلاة الضّحى في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة الضّحى‏)‏‏.‏

3 - وتطلق أيضاً على التّنفّل بعد المغرب‏.‏ فقالوا‏:‏ يستحبّ أداء ستّ ركعات بعد المغرب ليكتب من الأوّابين، واستدلّوا على أفضليّة هذه الصّلاة بحديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من صلّى بعد المغرب ستّ ركعات لم يتكلّم فيما بينهنّ بسوء عدلن له عبادة اثنتي عشرة سنةً»‏.‏

قال الماورديّ‏:‏ «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يصلّيها ويقول‏:‏ هذه صلاة الأوّابين»‏.‏ ويؤخذ ممّا جاء عن صلاة الضّحى والصّلاة بين المغرب والعشاء أنّ صلاة الأوّابين تطلق على صلاة الضّحى، والصّلاة بين المغرب والعشاء‏.‏ فهي مشتركة بينهما كما يقول الشّافعيّة‏.‏

4 - وانفرد الشّافعيّة بتسمية التّطوّع بين المغرب والعشاء بصلاة الأوّابين، وقالوا‏:‏ تسنّ صلاة الأوّابين، وتسمّى صلاة الغفلة، لغفلة النّاس عنها، واشتغالهم بغيرها من عشاء، ونوم، وغيرهما، وهي عشرون ركعةً بين المغرب والعشاء، وفي رواية أخرى أنّها ستّ ركعات‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏نفل‏)‏‏.‏

صَلاَةُ التَّراوِيح

التّعريف

1 - تقدّم تعريف الصّلاة لغةً واصطلاحًا في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة‏)‏‏.‏

والتّراويح‏:‏ جمع ترويحة، أي ترويحة للنّفس، أي استراحة، من الرّاحة وهي زوال المشقّة والتّعب، والتّرويحة في الأصل اسم للجلسة مطلقةً، وسمّيت الجلسة الّتي بعد أربع ركعات في ليالي رمضان بالتّرويحة للاستراحة، ثمّ سمّيت كلّ أربع ركعات ترويحةً مجازاً، وسمّيت هذه الصّلاة بالتّراويح، لأنّهم كانوا يطيلون القيام فيها ويجلسون بعد كلّ أربع ركعات للاستراحة‏.‏

وصلاة التّراويح‏:‏ هي قيام شهر رمضان، مثنى مثنى، على اختلاف بين الفقهاء في عدد ركعاتها، وفي غير ذلك من مسائلها‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - إحياء اللّيل‏:‏

2 - إحياء اللّيل، ويطلق عليه بعض الفقهاء أيضًا قيام اللّيل، هو‏:‏ إمضاء اللّيل، أو أكثره في العبادة كالصّلاة والذِّكْر وقراءة القرآن الكريم، ونحو ذلك‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ إحياء اللّيل‏)‏‏.‏ وإحياء اللّيل‏:‏ يكون في كلّ ليلة من ليالي العام، ويكون بأيّ من العبادات المذكورة أو نحوها وليس بخصوص الصّلاة‏.‏

أمّا صلاة التّراويح فتكون في ليالي رمضان خاصّةً‏.‏

ب - التّهجّد‏:‏

3 - التّهجّد في اللّغة‏:‏ من الهجود، ويطلق الهجود على النّوم وعلى السّهر، يقال‏:‏ هجد إذا نام باللّيل، ويقال أيضاً هجد‏:‏ إذا صلّى اللّيل، فهو من الأضداد، ويقال‏:‏ تهجّد إذا أزال النّوم بالتّكلّف‏.‏

وهو في الاصطلاح‏:‏ صلاة التّطوّع في اللّيل بعد النّوم‏.‏

والتّهجّد - عند جمهور الفقهاء - صلاة التّطوّع في اللّيل بعد النّوم، في أيّ ليلة من ليالي العام‏.‏

أمّا صلاة التّراويح فلا يشترط لها أن تكون بعد النّوم، وهي في ليالي رمضان خاصّةً‏.‏

ج - التّطوّع‏:‏

4 - التّطوّع هو‏:‏ ما شُرع زيادةً على الفرائض والواجبات من الصّلاة وغيرها، وسمّي بذلك، لأنّه زائد على ما فرضه اللّه تعالى، وصلاة التّطوّع أو النّافلة تنقسم إلى نفل مقيّد ومنه صلاة التّراويح، وإلى نفل مطلق أي غير مقيّد بوقت‏.‏

وللتّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏تطوّع‏)‏‏.‏

د - الوتر‏:‏

5 - الوتر هو‏:‏ الصّلاة المخصوصة بعد فريضة العشاء، سمّيت بذلك لأنّ عدد ركعاتها وتر لا شفع‏.‏

الحكم التّكليفيّ

6 - اتّفق الفقهاء على سُنِّيَّةِ صلاة التّراويح، وهي عند الحنفيّة والحنابلة وبعض المالكيّة سنّة مؤكّدة، وهي سنّة للرّجال والنّساء، وهي من أعلام الدّين الظّاهرة‏.‏

وقد سنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صلاة التّراويح ورغّب فيها، فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ اللّه فرض صيام رمضان عليكم، وسننت لكم قيامه‏.‏‏.‏‏.‏»‏.‏

وروى أبو هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يرغّب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول‏:‏ من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدّم من ذنبه» قال الخطيب الشّربينيّ وغيره‏:‏ اتّفقوا على أنّ صلاة التّراويح هي المرادة بالحديث المذكور‏.‏

وقد صلّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة التّراويح في بعض اللّيالي، ولم يواظب عليها، وبيّن العذر في ترك المواظبة وهو خشية أن تكتب فيعجزوا عنها، فعن عائشة - رضي الله تعالى عنها - «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى في المسجد، فصلّى بصلاته ناس، ثمّ صلّى من القابلة فكثر النّاس، ثمّ اجتمعوا من الثّالثة فلم يخرج إليهم، فلمّا أصبح قال‏:‏ قد رأيت الّذي صنعتم،فلم يمنعني من الخروج إليكم إلاّ أنّي خشيت أن تفرض عليكم»، وذلك في رمضان زاد البخاريّ فيه‏:‏ «فتوفّي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك»‏.‏

وفي تعيين اللّيالي الّتي قامها النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأصحابه روى أبو ذرّ - رضي الله تعالى عنه - قال‏:‏ «صمنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئاً من الشّهر حتّى بقي سبع، فقام بنا حتّى ذهب ثلث اللّيل، فلمّا كانت السّادسة لم يقم بنا، فلمّا كانت الخامسة قام بنا حتّى ذهب شطر اللّيل، فقلت‏:‏ يا رسول اللّه لو نفلتنا قيام هذه اللّيلة‏؟‏ قال‏:‏ فقال‏:‏ إنّ الرّجل إذا صلّى مع الإمام حتّى ينصرف حسب له قيام ليلة قال‏:‏ فلمّا كانت الرّابعة لم يقم، فلمّا كانت الثّالثة جمع أهله ونساءه والنّاس فقام بنا حتّى خشينا أن يفوتنا الفلاح قال‏:‏ قلت‏:‏ وما الفلاح‏؟‏ قال‏:‏ السّحور، ثمّ لم يقم بنا بقيّة الشّهر»‏.‏

وعن النّعمان بن بشير - رضي الله تعالى عنهما - قال‏:‏ «قمنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث اللّيل الأوّل، ثمّ قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف اللّيل، ثمّ قمنا معه ليلة سبع وعشرين حتّى ظننّا أن لا ندرك الفلاح وكانوا يسمّونه السّحور»‏.‏

وقد واظب الخلفاء الرّاشدون والمسلمون من زمن عمر - رضي الله تعالى عنه - على صلاة التّراويح جماعةً، وكان عمر - رضي الله تعالى عنه - هو الّذي جمع النّاس فيها على إمام واحد‏.‏

عن عبد الرّحمن بن عبد القاريّ، قال‏:‏ خرجت مع عمر بن الخطّاب - رضي الله تعالى عنه - ليلةً في رمضان إلى المسجد، فإذا النّاس أوزاع متفرّقون، يصلّي الرّجل لنفسه، ويصلّي الرّجل فيصلّي بصلاته الرّهط، فقال عمر‏:‏ إنّي أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثمّ عزم فجمعهم على أبيّ بن كعب، ثمّ خرجت معه ليلةً أخرى والنّاس يصلّون بصلاة قارئهم، فقال‏:‏ نعمت البدعة هذه، والّتي ينامون عنها أفضل من الّتي يقومون‏.‏ يريد آخر اللّيل، وكان النّاس يقومون أوّله‏.‏

وروى أسد بن عمرو عن أبي يوسف قال‏:‏ سألت أبا حنيفة عن التّراويح وما فعله عمر، فقال‏:‏ التّراويح سنّة مؤكّدة، ولم يتخرّص عمر من تلقاء نفسه، ولم يكن فيه مبتدعاً، ولم يأمر به إلاّ عن أصل لديه وعهد من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ولقد سنّ عمر هذا وجمع النّاس على أبيّ بن كعب فصلّاها جماعةً والصّحابة متوافرون من المهاجرين والأنصار وما ردّ عليه واحد منهم، بل ساعدوه ووافقوه وأمروا بذلك‏.‏

فضل صلاة التّراويح

7 - بيَّن الفقهاء منزلة التّراويح بين نوافل الصّلاة‏.‏

قال المالكيّة‏:‏ التّراويح من النّوافل المؤكّدة،حيث قالوا‏:‏ وتأكّد تراويح، وهو قيام رمضان‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ التّطوّع قسمان‏:‏

قسم تسنّ له الجماعة وهو أفضل ممّا لا تسنّ له الجماعة لتأكّده بسنّها له، وله مراتب‏:‏

فأفضله العيدان ثمّ الكسوف للشّمس، ثمّ الخسوف للقمر، ثمّ الاستسقاء، ثمّ التّراويح‏.‏‏.‏‏.‏ وقالوا‏:‏ الأصحّ أنّ الرّواتب وهي التّابعة للفرائض أفضل من التّراويح وإن سنّ لها الجماعة، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم واظب على الرّواتب دون التّراويح‏.‏

قال شمس الدّين الرّمليّ‏:‏ والمراد تفضيل الجنس على الجنس من غير نظر لعدد‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ أفضل صلاة تطوّع ما سنّ أن يصلّى جماعةً، لأنّه أشبه بالفرائض ثمّ الرّواتب، وآكد ما يسنّ جماعةً‏:‏ كسوف فاستسقاء فتراويح‏.‏

تاريخ مشروعيّة صلاة التّراويح والجماعة فيها

8 - روى الشّيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها -‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم خرج من جوف اللّيل ليالي من رمضان وصلّى في المسجد، وصلّى النّاس بصلاته، وتكاثروا فلم يخرج إليهم في الرّابعة، وقال لهم‏:‏ خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها»‏.‏ قال القليوبيّ‏:‏ هذا يشعر أنّ صلاة التّراويح لم تشرع إلاّ في آخر سني الهجرة لأنّه لم يرد أنّه صلّاها مرّةً ثانيةً ولا وقع عنها سؤال‏.‏

وجمع عمر بن الخطّاب - رضي الله تعالى عنه - النّاس في التّراويح على إمام واحد في السّنة الرّابعة عشرة من الهجرة، لنحو سنتين خلتا من خلافته، وفي رمضان الثّاني من خلافته‏.‏

النّداء لصلاة التّراويح

9 - ذهب الفقهاء إلى أنّه لا أذان ولا إقامة لغير الصّلوات المفروضة، لما ثبت «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أذّن للصّلوات الخمس والجمعة دون ما سواها من الوتر، والعيدين، والكسوف، والخسوف، والاستسقاء، وصلاة الجنازة، والسّنن والنّوافل»‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ ينادى لجماعة غير الصّلوات المفروضة‏:‏ الصّلاة جامعة، ونقل النّوويّ عن الشّافعيّ قوله‏:‏ لا أذان ولا إقامة لغير المكتوبة، فأمّا الأعياد والكسوف وقيام شهر رمضان فأحبّ أن يقال‏:‏ الصّلاة جامعةً‏.‏

واستدلّوا بما روى الشّيخان «أنّه لمّا كسفت الشّمس على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نودي‏:‏ إنّ الصّلاة جامعة» وقيس بالكسوف غيره ممّا تشرع فيه الجماعة ومنها التّراويح‏.‏ وكالصّلاة جامعةً‏:‏ الصّلاة الصّلاة، أو هلمّوا إلى الصّلاة،أو الصّلاة رحمكم اللّه، أو حيّ على الصّلاة خلافاً لبعضهم‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّه لا ينادى على التّراويح ‏"‏ الصّلاة جامعة ‏"‏ لأنّه محدث‏.‏

تعيين النّيّة في صلاة التّراويح

10 - ذهب الشّافعيّة وبعض الحنفيّة، وهو المذهب عند الحنابلة إلى اشتراط تعيين النّيّة في التّراويح، فلا تصحّ التّراويح بنيّة مطلقة، بل ينوي صلاة ركعتين من قيام رمضان أو من التّراويح لحديث‏:‏ «إنّما الأعمال بالنّيّات» وليتميّز إحرامه بهما عن غيره‏.‏

وعلَّل الحنفيّة القائلون بذلك قولهم بأنّ التّراويح سنّة، والسّنّة عندهم لا تتأدّى بنيّة مطلق الصّلاة أو نيّة التّطوّع، واستدلّوا بما روى الحسن عن أبي حنيفة أنّه‏:‏ لا تتأدّى ركعتا الفجر إلاّ بنيّة السّنّة‏.‏

لكنّهم اختلفوا في تجديد النّيّة لكلّ ركعتين من التّراويح، قال ابن عابدين في الخلاصة‏:‏ الصّحيح نعم،لأنّه صلاة على حدة، وفي الخانيّة‏:‏ الأصحّ لا، فإنّ الكلّ بمنزلة صلاة واحدة، ثمّ قال ويظهر لي ‏"‏ ترجيح ‏"‏ التّصحيح الأوّل، لأنّه بالسّلام خرج من الصّلاة حقيقةً، فلا بدّ من دخوله فيها بالنّيّة، ولا شكّ أنّه الأحوط خروجاً من الخلاف‏.‏

وقال عامّة مشايخ الحنفيّة‏:‏ إنّ التّراويح وسائر السّنن تتأدّى بنيّة مطلقة، لأنّها وإن كانت سنّةً لا تخرج عن كونها نافلةً، والنّوافل تتأدّى بمطلق النّيّة، إلاّ أنّ الاحتياط أن ينوي التّراويح أو سنّة الوقت أو قيام رمضان احترازاً عن موضع الخلاف‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّه يندب في كلّ ركعتين من التّراويح أن ينوي فيقول سرّاً‏:‏ أصلّي ركعتين من التّراويح المسنونة أو من قيام رمضان‏.‏

عدد ركعات التّراويح‏:‏

11 - قال السّيوطيّ‏:‏ الّذي وردت به الأحاديث الصّحيحة والحسان الأمر بقيام رمضان والتّرغيب فيه من غير تخصيص بعدد، ولم يثبت أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى التّراويح عشرين ركعةً، وإنّما صلّى ليالي صلاةً لم يذكر عددها، ثمّ تأخّر في اللّيلة الرّابعة خشية أن تفرض عليهم فيعجزوا عنها‏.‏

وقال ابن حجر الهيثميّ‏:‏ لم يصحّ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلَّى التّراويح عشرين ركعةً، وما ورد «أنّه كان يصلّي عشرين ركعةً» فهو شديد الضّعف‏.‏

واختلفت الرّواية فيما كان يصلّى به في رمضان في زمان عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنه‏:‏

فذهب جمهور الفقهاء - من الحنفيّة، والشّافعيّة، والحنابلة، وبعض المالكيّة - إلى أنّ التّراويح عشرون ركعةً، لما رواه مالك عن يزيد بن رومان والبيهقيّ عن السّائب بن يزيد من قيام النّاس في زمان عمر - رضي الله تعالى عنه - بعشرين ركعةً، وجمع عمر النّاس على هذا العدد من الرّكعات جمعاً مستمرّاً، قال الكاسانيّ‏:‏ جمع عمر أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان على أبيّ بن كعب - رضي الله تعالى عنه - فصلّى بهم عشرين ركعةً، ولم ينكر عليه أحد فيكون إجماعاً منهم على ذلك‏.‏

وقال الدّسوقيّ وغيره‏:‏ كان عليه عمل الصّحابة والتّابعين‏.‏

وقال ابن عابدين‏:‏ عليه عمل النّاس شرقاً وغرباً‏.‏

وقال عليّ السّنهوريّ‏:‏ هو الّذي عليه عمل النّاس واستمرّ إلى زماننا في سائر الأمصار وقال الحنابلة‏:‏ وهذا في مظنّة الشّهرة بحضرة الصّحابة فكان إجماعاً والنّصوص في ذلك كثيرة‏.‏

وروى مالك عن السّائب بن يزيد قال‏:‏ أمر عمر بن الخطّاب أبيّ بن كعب وتميماً الدّاريّ أن يقوما للنّاس بإحدى عشرة ركعةً، قال‏:‏ وقد كان القارئ يقرأ بالمئين، حتّى كنّا نعتمد على العصيّ من طول القيام، وما كنّا ننصرف إلاّ في فروع الفجر‏.‏ وروى مالك عن يزيد بن رومان أنّه قال‏:‏ كان النّاس يقومون في زمان عمر بن الخطّاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعةً، قال البيهقيّ والباجيّ وغيرهما‏:‏ أي بعشرين ركعةً غير الوتر ثلاث ركعات، ويؤيّده ما رواه البيهقيّ وغيره عن السّائب بن يزيد - رضي الله تعالى عنه - قال‏:‏ كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - في شهر رمضان بعشرين ركعةً‏.‏

قال الباجيّ‏:‏ يحتمل أن يكون عمر أمرهم بإحدى عشرة ركعةً، وأمرهم مع ذلك بطول القراءة، يقرأ القارئ بالمئين في الرّكعة، لأنّ التّطويل في القراءة أفضل الصّلاة، فلمّا ضعف النّاس عن ذلك أمرهم بثلاث وعشرين ركعةً على وجه التّخفيف عنهم من طول القيام، واستدرك بعض الفضيلة بزيادة الرّكعات‏.‏

وقال العدويّ‏:‏ الإحدى عشرة كانت مبدأ الأمر، ثمّ انتقل إلى العشرين‏.‏

وقال ابن حبيب‏:‏ رجع عمر إلى ثلاث وعشرين ركعةً‏.‏

وخالف الكمال بن الهمام مشايخ الحنفيّة القائلين بأنّ العشرين سنّة في التّراويح فقال‏:‏ قيام رمضان سنّة إحدى عشرة ركعةً بالوتر في جماعة، فعله النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثمّ تركه لعذر، أفاد أنّه لولا خشية فرضه عليهم لواظب بهم، ولا شكّ في تحقّق الأمن من ذلك بوفاته صلى الله عليه وسلم فيكون سنّةً، وكونها عشرين سنّة الخلفاء الرّاشدين، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين» ندب إلى سنّتهم، ولا يستلزم كون ذلك سنّته، إذ سنّته بمواظبته بنفسه أو إلاّ لعذر، وبتقدير عدم ذلك العذر كان يواظب على ما وقع منه، فتكون العشرون مستحبّاً، وذلك القدر منها هو السّنّة، كالأربع بعد العشاء مستحبّة وركعتان منها هي السّنّة، وظاهر كلام المشايخ أنّ السّنّة عشرون، ومقتضى الدّليل ما قلنا فيكون هو المسنون، أي فيكون المسنون منها ثماني ركعات والباقي مستحبّاً‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ القيام في رمضان بعشرين ركعةً أو بستّ وثلاثين واسع أي جائز، فقد كان السّلف من الصّحابة - رضوان الله عليهم - يقومون في رمضان في زمن عمر بن الخطّاب - رضي الله تعالى عنه - في المساجد بعشرين ركعةً، ثمّ يوترون بثلاث، ثمّ صلّوا في زمن عمر بن عبد العزيز ستّاً وثلاثين ركعةً غير الشّفع والوتر‏.‏

قال المالكيّة‏:‏ وهو اختيار مالك في المدوّنة، قال‏:‏ هو الّذي لم يزل عليه عمل النّاس أي بالمدينة بعد عمر بن الخطّاب، وقالوا‏:‏ كره مالك نقصها عمّا جعلت بالمدينة‏.‏

وعن مالك - أي في غير المدوّنة - قال‏:‏ الّذي يأخذ بنفسي في ذلك الّذي جمع عمر عليه النّاس، إحدى عشرة ركعةً منها الوتر، وهي صلاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وفي المذهب أقوال وترجيحات أخرى‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ ولأهل المدينة فعلها ستّاً وثلاثين، لأنّ العشرين خمس ترويحات، وكان أهل مكّة يطوفون بين كلّ ترويحتين سبعة أشواط، فحمل أهل المدينة بدل كلّ أسبوع ترويحةً ليساووهم، قال الشّيخان‏:‏ ولا يجوز ذلك لغيرهم‏.‏‏.‏ وهو الأصحّ كما قال الرّمليّ لأنّ لأهل المدينة شرفاً بهجرته صلى الله عليه وسلم ومدفنه، وخالف الحليميّ فقال‏:‏ ومن اقتدى بأهل المدينة فقام بستّ وثلاثين فحسن أيضاً‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ لا ينقص من العشرين ركعةً، ولا بأس بالزّيادة عليها نصّاً، قال عبد اللّه بن أحمد‏:‏ رأيت أبي يصلّي في رمضان ما لا أحصي، وكان عبد الرّحمن بن الأسود يقوم بأربعين ركعةً ويوتر بعدها بسبع‏.‏

قال ابن تيميّة‏:‏ والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلّين، فإن كان فيهم احتمال لطول القيام، فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها، كما كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يصلّي لنفسه في رمضان وغيره هو الأفضل‏.‏ وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين هو الأفضل‏.‏ وهو الّذي يعمل به أكثر المسلمين، فإنّه وسط بين العشر وبين الأربعين، وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك ولا يكره شيء من ذلك‏.‏ وقد نصّ على ذلك غير واحد من الأئمّة كأحمد وغيره‏.‏

قال‏:‏ ومن ظنّ أنّ قيام رمضان فيه عدد موقّت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ‏.‏

الاستراحة بين كلّ ترويحتين

12 - اتّفق الفقهاء على مشروعيّة الاستراحة بعد كلّ أربع ركعات، لأنّه المتوارث عن السّلف، فقد كانوا يطيلون القيام في التّراويح ويجلس الإمام والمأمومون بعد كلّ أربع ركعات للاستراحة‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ يندب الانتظار بين كلّ ترويحتين، ويكون قدر ترويحة، ويشغل هذا الانتظار بالسّكوت أو الصّلاة فرادى أو القراءة أو التّسبيح‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ لا بأس بترك الاستراحة بين كلّ ترويحتين، ولا يسنّ دعاء معيّن إذا استراح لعدم وروده‏.‏

التّسليم في صلاة التّراويح

13 - ذهب الفقهاء إلى أنّ من يصلّي التّراويح يسلّم من كلّ ركعتين، لأنّ التّراويح من صلاة اللّيل فتكون مثنى مثنى، لحديث‏:‏ «صلاة اللّيل مثنى مثنى» ولأنّ التّراويح تؤدّى بجماعة فيراعى فيها التّيسير بالقطع بالتّسليم على رأس الرّكعتين لأنّ ما كان أدوم تحريمةً كان أشقّ على النّاس‏.‏

واختلفوا فيمن صلّى التّراويح ولم يسلّم من كلّ ركعتين‏:‏

فقال الحنفيّة‏:‏ لو صلّى التّراويح كلّها بتسليمة وقعد في كلّ ركعتين فالصّحيح أنّه تصحّ صلاته عن الكلّ، لأنّه قد أتى بجميع أركان الصّلاة وشرائطها، لأنّ تجديد التّحريمة لكلّ ركعتين ليس بشرط عندهم، لكنّه يكره إن تعمّد على الصّحيح عندهم، لمخالفته المتوارث، وتصريحهم بكراهة الزّيادة على ثمانٍ في صلاة مطلق التّطوّع فهنا أولى‏.‏

وقالوا‏:‏ إذا لم يقعد في كلّ ركعتين وسلّم تسليمةً واحدةً فإنّ صلاته تفسد عند محمّد، ولا تفسد عند أبي حنيفة وأبي يوسف، والأصحّ أنّها تجوز عن تسليمة واحدة، لأنّ السّنّة أن يكون الشّفع الأوّل كاملاً، وكماله بالقعدة ولم توجد، والكامل لا يتأدّى بالنّاقص‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يندب لمن صلّى التّراويح التّسليم من كلّ ركعتين، ويكره تأخير التّسليم بعد كلّ أربع، حتّى لو دخل على أربع ركعات بتسليمة واحدة فالأفضل له السّلام بعد كلّ ركعتين‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ لو صلّى في التّراويح أربعاً بتسليمة واحدة لم يصحّ، فتبطل إن كان عامداً عالماً، وإلاّ صارت نفلاً مطلقاً، وذلك لأنّ التّراويح أشبهت الفرائض في طلب الجماعة فلا تغيّر عمّا ورد‏.‏ ولم نجد للحنابلة كلاماً في هذه المسألة‏.‏

القعود في صلاة التّراويح

14 - جاء في مذهب الحنفيّة أنّ من يصلّي التّراويح قاعداً فإنّه يجوز مع الكراهة تنزيهاً لأنّه خلاف السّنّة المتوارثة‏.‏

وصرّح الحنفيّة بأنّه‏:‏ يكره للمقتدي أن يقعد في صلاة التّراويح، فإذا أراد الإمام أن يركع قام، واستظهر ابن عابدين أنّه يكره تحريماً، لأنّ في ذلك إظهار التّكاسل في الصّلاة والتّشبّه بالمنافقين، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى‏}‏ فإذا لم يكن ذلك لكسل بل لكبر ونحوه لا يكره، ولم نجد مثل هذا لغير الحنفيّة‏.‏

وقت صلاة التّراويح

15 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ وقت صلاة التّراويح من بعد صلاة العشاء، وقبل الوتر إلى طلوع الفجر، لنقل الخلف عن السّلف، ولأنّها عرفت بفعل الصّحابة فكان وقتها ما صلّوا فيه، وهم صلّوا بعد العشاء قبل الوتر، ولأنّها سنّة تبع للعشاء فكان وقتها قبل الوتر‏.‏ ولو صلّاها بعد المغرب وقبل العشاء فجمهور الفقهاء وهو الأصحّ عند الحنفيّة على أنّها لا تجزئ عن التّراويح، وتكون نافلةً عند المالكيّة، ومقابل الأصحّ عند الحنفيّة أنّها تصحّ، لأنّ جميع اللّيل إلى طلوع الفجر قبل العشاء وبعدها وقت للتّراويح، لأنّها سمّيت قيام اللّيل فكان وقتها اللّيل‏.‏

وعلّل الحنابلة عدم الصّحّة بأنّها تفعل بعد مكتوبة وهي العشاء فلم تصحّ قبلها كسنّة العشاء، وقالوا‏:‏ إنّ التّراويح تصلّى بعد صلاة العشاء وبعد سنّتها، قال المجد‏:‏ لأنّ سنّة العشاء يكره تأخيرها عن وقت العشاء المختار، فكان إتباعها لها أولى‏.‏

ولو صلّاها بعد العشاء وبعد الوتر فالأصحّ عند الحنفيّة أنّها تجزئ‏.‏

وذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه يستحبّ تأخير التّراويح إلى ثلث اللّيل أو نصفه، واختلف الحنفيّة في أدائها بعد نصف اللّيل، فقيل يكره، لأنّها تبع للعشاء كسنّتها، والصّحيح لا يكره لأنّها من صلاة اللّيل والأفضل فيها آخره‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ صلاتها أوّل اللّيل أفضل، لأنّ النّاس كانوا يقومون على عهد عمر - رضي الله تعالى عنه - أوّله، وقد قيل لأحمد‏:‏ يؤخّر القيام أي في التّراويح إلى آخر اللّيل‏؟‏ قال‏:‏ سنّة المسلمين أحبّ إليّ‏.‏

الجماعة في صلاة التّراويح

16 - اتّفق الفقهاء على مشروعيّة الجماعة في صلاة التّراويح، لفعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم كما سبق، ولفعل الصّحابة - رضوان اللّه تعالى عليهم - ومن تبعهم منذ زمن عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - ‏;‏ ولاستمرار العمل عليه حتّى الآن‏.‏

وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الجماعة في صلاة التّراويح سنّة‏.‏

قال الحنفيّة‏:‏ صلاة التّراويح بالجماعة سنّة على الكفاية في الأصحّ، فلو تركها الكلّ أساءوا، أمّا لو تخلّف عنها رجل من أفراد النّاس وصلّى في بيته فقد ترك الفضيلة، وإن صلّى في البيت بالجماعة لم ينل فضل جماعة المسجد‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ تندب صلاة التّراويح في البيوت إن لم تعطّل المساجد، وذلك لخبر‏:‏ «عليكم بالصّلاة في بيوتكم، فإنّ خير صلاة المرء في بيته إلاّ الصّلاة المكتوبة» ولخوف الرّياء وهو حرام، واختلفوا فيما إذا صلّاها في بيته، هل يصلّيها وحده أو مع أهل بيته‏؟‏ قولان، قال الزّرقانيّ‏:‏ لعلّهما في الأفضليّة سواء‏.‏

وندب صلاة التّراويح - في البيوت عندهم - مشروط بثلاثة أمور‏:‏ أن لا تعطّل المساجد، وأن ينشط لفعلها في بيته، ولا يقعد عنها، وأن يكون غير آفاقيّ بالحرمين، فإن تخلّف شرط كان فعلها في المسجد أفضل، وقال الزّرقانيّ‏:‏ يكره لمن في المسجد الانفراد بها عن الجماعة الّتي يصلّونها فيه، وأولى إذا كان انفراده يعطّل جماعة المسجد‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ تسنّ الجماعة في التّراويح على الأصحّ، لحديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - الّذي سبق ذكره،وللأثر عن عمر - رضي الله تعالى عنه - ولعمل النّاس على ذلك‏.‏ ومقابل الأصحّ عندهم أنّ الانفراد بصلاة التّراويح أفضل كغيرها من صلاة اللّيل لبعده عن الرّياء‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ صلاة التّراويح جماعةً أفضل من صلاتها فرادى، قال أحمد‏:‏ كان عليّ وجابر وعبد اللّه - رضي الله عنهم - يصلّونها في الجماعة‏.‏

وفي حديث أبي ذرّ - رضي الله تعالى عنه - «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم جمع أهله ونساءه، وقال‏:‏ إنّ الرّجل إذا صلّى مع الإمام حتّى ينصرف كتب له قيام ليلة»‏.‏

وقالوا‏:‏ إن تعذّرت الجماعة صلّى وحده لعموم قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه»‏.‏

القراءة وختم القرآن الكريم في التّراويح

17 - ذهب الحنابلة وأكثر المشايخ من الحنفيّة وهو ما رواه الحسن عن أبي حنيفة إلى أنّ السّنّة أن يختم القرآن الكريم في صلاة التّراويح ليسمع النّاس جميع القرآن في تلك الصّلاة‏.‏ وقال الحنفيّة‏:‏ السّنّة الختم مرّةً، فلا يترك الإمام الختم لكسل القوم، بل يقرأ في كلّ ركعة عشر آيات أو نحوها، فيحصل بذلك الختم، لأنّ عدد ركعات التّراويح في شهر رمضان ستّمائة ركعة، أو خمسمائة وثمانون، وآي القرآن الكريم ستّ آلاف وشيء‏.‏

ويقابل قول هؤلاء ما قيل‏:‏ الأفضل أن يقرأ قدر قراءة المغرب لأنّ النّوافل مبنيّة على التّخفيف خصوصاً بالجماعة، وما قيل‏:‏ يقرأ في كلّ ركعة ثلاثين آيةً لأنّ عمر - رضي الله تعالى عنه - أمر بذلك، فيقع الختم ثلاث مرّات في رمضان، لأنّ لكلّ عشر فضيلةً كما جاءت به السّنّة، «أوّله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النّار»‏.‏

وقال الكاسانيّ‏:‏ ما أمر به عمر - رضي الله تعالى عنه - هو من باب الفضيلة، وهو أن يختم القرآن أكثر من مرّة، وهذا في زمانهم، وأمّا في زماننا فالأفضل أن يقرأ الإمام على حسب حال القوم، فيقرأ قدر ما لا ينفّرهم عن الجماعة، لأنّ تكثير الجماعة أفضل من تطويل القراءة‏.‏

ومن الحنفيّة من استحبّ الختم ليلة السّابع والعشرين رجاء أن ينالوا ليلة القدر، وإذا ختم قبل آخره‏.‏‏.‏ قيل‏:‏ لا يكره له التّراويح فيما بقي، قيل‏:‏ يصلّيها ويقرأ فيها ما يشاء‏.‏ وصرّح المالكيّة والشّافعيّة بأنّه يندب للإمام الختم لجميع القرآن في التّراويح في الشّهر كلّه، وقراءة سورة في تراويح جميع الشّهر تجزئ، وكذلك قراءة سورة في كلّ ركعة، أو كلّ ركعتين من تراويح كلّ ليلة في جميع الشّهر تجزئ وإن كان خلاف الأولى إذا كان يحفظ غيرها أو كان هناك من يحفظ القرآن غيره، قال ابن عرفة‏:‏ في المدوّنة لمالك‏:‏ وليس الختم بسنّة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يستحبّ أن يبتدئ التّراويح في أوّل ليلة بسورة القلم‏:‏ ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ‏}‏ بعد الفاتحة لأنّها أوّل ما نزل من القرآن، فإذا سجد للتّلاوة قام فقرأ من البقرة نصّ عليه أحمد، والظّاهر أنّه قد بلغه في ذلك أثر، وعنه‏:‏ أنّه يقرأ بسورة القلم في عشاء الآخرة من اللّيلة الأولى من رمضان‏.‏

قال الشّيخ‏:‏ وهو أحسن ممّا نقل عنه أنّه يبتدئ بها التّراويح ويختم آخر ركعة من التّراويح قبل ركوعه ويدعو، نصّ عليه‏.‏

المسبوق في التّراويح

18 - قال الحنفيّة‏:‏ من فاته بعض التّراويح وقام الإمام إلى الوتر أوتر معه ثمّ صلّى ما فاته‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ من أدرك مع الإمام ركعةً فلا يخلو أن تكون من الرّكعتين الأخيرتين من التّرويحة أو من الأوليين، فإن كانت من الأخيرتين فإنّه يقضي الرّكعة الّتي فاتته بعد سلام الإمام في أثناء فترة الرّاحة، وإن كانت من الرّكعتين الأوليين فقد روى ابن القاسم عن مالك أنّه لا يسلّم سلامه ولكن يقوم فيصحب الإمام فإذا قام الإمام من الرّكعة الأولى من الأخريين تشهّد وسلّم ثمّ دخل معه في الرّكعتين الأخريين فصلّى منهما ركعةً ثمّ قضى الثّانية منهما حين انفراده بالتّنفّل‏.‏

وعند الحنابلة‏:‏ سئل أحمد عمّن أدرك من ترويحة ركعتين يصلّي إليها ركعتين‏؟‏ فلم ير ذلك، وقال‏:‏ هي تطوّع‏.‏

قضاء التّراويح

19 - إذا فاتت صلاة التّراويح عن وقتها بطلوع الفجر، فقد ذهب الحنفيّة في الأصحّ عندهم، والحنابلة في ظاهر كلامهم إلى أنّها لا تقضى ‏;‏ لأنّها ليست بآكد من سنّة المغرب والعشاء، وتلك لا تقضى فكذلك هذه‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إن قضاها كانت نفلًا مستحبًّا لا تراويح كرواتب اللّيل، لأنّها منها، والقضاء عندهم من خواصّ الفرض وسنّة الفجر بشرطها‏.‏

ومقابل الأصحّ عند الحنفيّة أنّ من لم يؤدّ التّراويح في وقتها فإنّه يقضيها وحده ما لم يدخل وقت تراويح أخرى، وقيل‏:‏ ما لم يمض الشّهر‏.‏

ولم نجد تصريحاً للمالكيّة والشّافعيّة في هذه المسألة‏.‏

لكن قال النّوويّ‏:‏ لو فات النّفل المؤقّت ندب قضاؤه في الأظهر‏.‏

صَلاَة التّسْبيح

التّعريف

1 - صلاة التّسبيح نوع من صلاة النّفل تفعل على صورة خاصّة يأتي بيانها‏.‏ وإنّما سمّيت صلاة التّسبيح لما فيها من كثرة التّسبيح، ففيها في كلّ ركعة خمس وسبعون تسبيحةً‏.‏

الحكم التّكليفيّ

اختلف الفقهاء في حكم صلاة التّسبيح، وسبب اختلافهم فيها اختلافهم في ثبوت الحديث الوارد فيها‏:‏

2 - القول الأوّل‏:‏ قال بعض الشّافعيّة‏:‏ هي مستحبّة‏.‏ وقال النّوويّ في بعض كتبه‏:‏ هي سنّة حسنة واستدلّوا بالحديث الوارد فيها، وهو ما روى أبو داود «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال للعبّاس بن عبد المطّلب‏:‏ يا عبّاس يا عمّاه، ألا أعطيك ألا أمنحك، ألا أحبوك، ألا أفعل بك - عشر خصال - إذا أنت فعلت ذلك غفر اللّه لك ذنبك أوّله، وآخره، قديمه، وحديثه، خطأه، وعمده، صغيره، وكبيره، سرّه، وعلانيته، عشر خصال‏:‏ أن تصلّي أربع ركعات‏:‏ تقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب وسورةً، فإذا فرغت من القراءة في أوّل ركعة وأنت قائم قلت‏:‏ سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلاّ اللّه، واللّه أكبر، خمس عشرة مرّةً، ثمّ تركع وتقولها وأنت راكع عشراً، ثمّ ترفع رأسك من الرّكوع فتقولها عشراً، ثمّ تهوي ساجداً فتقولها وأنت ساجد عشراً، ثمّ ترفع رأسك من السّجود فتقولها عشراً ثمّ تسجد فتقولها عشراً، ثمّ ترفع رأسك فتقولها عشراً، فذلك خمس وسبعون في كلّ ركعة تفعل ذلك في أربع ركعات، إن استطعت أن تصلّيها في كلّ يوم مرّةً فافعل، فإن لم تفعل ففي كلّ جمعة مرّةً فإن لم تفعل ففي كلّ شهر مرّةً، فإن لم تفعل ففي كلّ سنة مرّةً، فإن لم تفعل ففي عمرك مرّةً»‏.‏

قالوا‏:‏ وقد ثبت هذا الحديث من هذه الرّواية، وهو وإن كان من رواية موسى بن عبد العزيز فقد وثّقه ابن معين وقال النّسائيّ‏:‏ ليس به بأس‏.‏ وقال الزّركشيّ‏:‏ الحديث صحيح وليس بضعيف وقال ابن الصّلاح‏:‏ حديثها حسن، ومثله قال النّوويّ في تهذيب الأسماء واللّغات‏.‏ وقال المنذريّ‏:‏ رواته ثقات ا هـ‏.‏

وقد روي من حديث العبّاس نفسه ومن حديث أبي رافع وأنس بن مالك‏.‏

3 - القول الثّاني‏:‏ ذهب بعض الحنابلة إلى أنّها لا بأس بها، وذلك يعني الجواز‏.‏ قالوا‏:‏ لو لم يثبت الحديث فيها فهي من فضائل الأعمال فيكفي فيها الحديث الضّعيف‏.‏ ولذا قال ابن قدامة‏:‏ إن فعلها إنسان فلا بأس فإنّ النّوافل والفضائل لا يشترط صحّة الحديث فيها‏.‏

4 - والقول الثّالث‏:‏ أنّها غير مشروعة‏.‏ قال النّوويّ في المجموع‏:‏ في استحبابها نظر لأنّ حديثها ضعيف وفيها تغيير لنظم الصّلاة المعروف فينبغي ألاّ يفعل بغير حديث وليس حديثها بثابت، ونقل ابن قدامة أنّ أحمد لم يثبت الحديث الوارد فيها، ولم يرها مستحبّةً‏.‏ قال‏:‏ وقال أحمد‏:‏ ما تعجبني‏.‏ قيل له‏:‏ لم‏؟‏ قال‏:‏ ليس فيها شيء يصحّ، ونفض يده كالمنكر‏.‏ والحديث الوارد فيها جعله ابن الجوزيّ من الموضوعات‏.‏ وقال ابن حجر في التّلخيص‏:‏ الحقّ أنّ طرقه كلّها ضعيفة، وإن كان حديث ابن عبّاس يقرب من شرط الحسن إلاّ أنّه شاذّ لشدّة الفرديّة فيه وعدم الشّاهد والمتابع من وجه معتبر، ومخالفة هيئتها لهيئة باقي الصّلوات‏:‏ قال‏:‏ وقد ضعّفها ابن تيميّة والمزنيّ، وتوقّف الذّهبيّ، حكاه ابن عبد الهادي في أحكامه‏.‏ ا هـ‏.‏

ولم نجد لهذه الصّلاة ذكراً فيما اطّلعنا عليه من كتب الحنفيّة والمالكيّة، إلاّ ما نقل في التّلخيص الحبير عن ابن العربيّ أنّه قال‏:‏ ليس فيها حديث صحيح ولا حسن‏.‏

كيفيّة صلاة التّسبيح ووقتها

5 - الّذين قالوا باستحباب صلاة التّسبيح أو جوازها راعوا في الكيفيّة ما ورد في الحديث من أنّها أربع ركعات، وما يقال فيها من التّسبيح والتّكبير والتّهليل والحوقلة بالأعداد الواردة ومواضعها وغير ذلك من الكيفيّة‏.‏ وأضاف الشّافعيّة أنّها تصلّى أربع ركعات لا أكثر، وبتسليم واحد إن كانت في النّهار وتسليمين إن كانت في اللّيل‏.‏ وأنّ الأفضل فعلها كلّ يوم مرّةً، وإلاّ فجمعة، وإلاّ فشهر، وإلاّ فسنة، وإلاّ ففي العمر مرّةً‏.‏

صَلاةَ التَّطَوّع

التّعريف

1 - التّطوّع لغةً‏:‏ التّبرّع، يقال‏:‏ تطوّع بالشّيء، تبرّع به، ومن معانيه في الاصطلاح أنّه اسم لما شرع زيادةً على الفرائض والواجبات‏.‏ أو ما كان مخصوصاً بطاعة غير واجبة، أو هو الفعل المطلوب طلباً غير جازم‏.‏

وتفصيل الاصطلاحات الفقهيّة في هذا الموضوع ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏تطوّع‏)‏‏.‏

وصلاة التّطوّع هي ما زادت على الفرائض والواجبات‏.‏ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث السّائل عن الإسلام «خمس صلوات في اليوم واللّيلة، فقيل‏:‏ هل عليّ غيرها قال‏:‏ لا، إلاّ أن تطوّع»‏.‏

أنواع صلاة التّطوّع

2 - الأصل في صلاة التّطوّع أن تؤدّى على انفراد، وهي أنواع‏:‏

منها‏:‏ السّنن الرّواتب، وهي السّنن التّابعة للفرائض، وهي عشر ركعات‏:‏ ركعتان قبل الظّهر، وركعتان بعده، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر‏.‏ وقال أبو الخطّاب‏:‏ وأربع قبل العصر، لما روى ابن عمر قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «رحم اللّه امرأً صلّى قبل العصر أربعاً» وآكد هذه الرّكعات ركعتا الفجر‏.‏ حيث قالت عائشة - رضي الله عنها -‏:‏ «لم يكن النّبيّ صلى الله عليه وسلم على شيء من النّوافل أشدّ منه تعاهدًا على ركعتي الفجر»‏.‏

ومن هذه السّنن ما يتقدّم على الفرائض، ومنها ما يتأخّر عنها، وفي ذلك معنىً لطيف مناسب‏:‏

أمّا في التّقديم فلأنّ النّفوس - لاشتغالها بأسباب الدّنيا - بعيدة عن حال الخشوع والحضور الّتي هي روح العبادة، فإذا قدّمت النّوافل على الفرائض أنست النّفس بالعبادة‏.‏

وأمّا تأخيرها عنها فقد ورد أنّ النّوافل جابرة لنقص الفرائض، فإذا وقع الفرض ناسب أن يقع بعده ما يجبر الخلل الّذي قد يقع فيه‏.‏ وللتّفصيل ينظر‏:‏ ‏(‏راتب، وسنن رواتب‏)‏‏.‏ ومن صلاة التّطوّع صلوات معيّنة غير السّنن مع الفرائض والتّطوّعات المطلقة ومنها‏:‏

3 - صلاة الضّحى‏:‏ وهي مستحبّة، لما روى أبو هريرة قال‏:‏ «أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهنّ حتّى أموت‏:‏ صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر، وصلاة الضّحى، ونوم على وتر»‏.‏

انظر ‏(‏صلاة الضّحى، وصلاة الأوّابين‏)‏‏.‏

4 - صلاة التّسبيح‏:‏ لما روى ابن عبّاس «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دعاه إلى صلاتها مرّةً كلّ يوم، أو كلّ جمعة، أو كلّ شهر، أو كلّ سنة‏.‏‏.‏‏.‏ أو في العمر مرّةً»‏.‏ وقال أحمد عنها‏:‏ ليس فيها شيء يصحّ، ولم يرها مستحبّةً، وإن فعلها إنسان فلا بأس، فإنّ النّوافل والفضائل لا يشترط صحّة الحديث فيها‏.‏

وأمثلة الصّلاة المتطوّع بها كثيرة كصلاة الاستخارة، وصلاة الحاجة، وصلاة التّوبة، وصلاة تحيّة المسجد، وركعتي السّفر وغيرها فليرجع إليها في مصطلحاتها الخاصّة‏.‏

الفرق بين أحكام صلاة التّطوّع وأحكام الصّلاة المفروضة

5 - صلاة التّطوّع تفارق صلاة الفرض في أشياء منها‏:‏

الصّلاة جلوساً

يجوز التّطوّع قاعدًا مع القدرة على القيام، ولا يجوز ذلك في الفرض، لأنّ التّطوّع خير دائم، فلو ألزمناه القيام لتعذّر عليه إدامة هذا الخير‏.‏

أمّا الفرض فإنّه يختصّ ببعض الأوقات، فلا يكون في إلزامه مع القدرة عليه حرج‏.‏

القراءة

القراءة في التّطوّع تكون فيما سوى الفاتحة في الرّكعات كلّها، وأمّا القراءة في الرّباعيّة والثّلاثيّة من المكتوبات فهي في الرّكعتين الأوليين فقط‏.‏

وينظر التّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏قراءة‏)‏‏.‏

الجلوس على رأس الرّكعتين

الجلوس على رأس الرّكعتين في الرّباعيّة والثّلاثيّة في الفرائض ليس بفرض بلا خلاف، ولا يفسد الفرض بتركه، وفي التّطوّع اختلاف‏.‏ انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة‏)‏‏.‏

الجماعة في التّطوّع‏:‏

الجماعة في التّطوّع ليست بسنّة إلاّ في قيام رمضان، وفي الفرض واجبة أو سنّة مؤكّدة، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلاّ المكتوبة»‏.‏ انظر‏:‏ ‏(‏صلاة الجماعة‏)‏‏.‏

الوقت والمقدار

التّطوّع المطلق غير مؤقّت بوقت خاصّ، ولا مقدّر بمقدار خاصّ، فيجوز في أيّ وقت كان على أيّ مقدار كان، إلاّ أنّه يكره في بعض الأوقات وعلى بعض المقادير‏.‏

والفرض مقدّر بمقدار خاصّ، موقّت بأوقات مخصوصة، فلا تجوز الزّيادة على قدره‏.‏ انظر‏:‏ ‏(‏أوقات الصّلاة‏)‏‏.‏

النّيّة

يتأدّى التّطوّع المطلق بمطلق النّيّة، ولا يتأدّى الفرض إلاّ بتعيين النّيّة، انظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏نيّة‏)‏‏.‏

الصّلاة على الرّاحلة وما في معناها

يجوز التّنفّل على الدّابّة مع القدرة على النّزول، أمّا أداء الفرض على الدّابّة فإنّه لا يجوز‏.‏ على تفصيل وخلاف ينظر في‏:‏ ‏(‏الصّلاة على الرّاحلة‏)‏‏.‏

الصّلاة في الكعبة وعلى ظهرها

لا تصحّ الفريضة في الكعبة ولا على ظهرها عند الحنابلة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ‏}‏ والمصلّي فيها أو على ظهرها غير مستقبل لها، وإنّما هو مستقبل لجزء منها‏.‏

واستقبال القبلة شرط للصّلاة مع القدرة إلاّ في النّفل للمسافر السّائر ماشياً أو راكباً فيصلّي حيث توجّه، وقيل لا يجوز ذلك إلاّ للرّاكب‏.‏

وجوّز أبو حنيفة والشّافعيّ صلاة الفريضة في الكعبة وعلى ظهرها، لأنّه مسجد، ولأنّه محلّ لصلاة النّفل، فكان محلّاً للفرض كخارجها‏.‏ ولكن النّافلة مبناها على التّخفيف والمسامحة بدليل صلاتها قاعداً وإلى غير القبلة، وفي السّفر على الرّاحلة، وقد «صلّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم في البيت ركعتين»‏.‏

ما يكره في صلاة التّطوّع

6 - المكروه في صلاة التّطوّع نوعان‏:‏

النّوع الأوّل‏:‏ وهو ما يرجع إلى القدر

تكره الزّيادة على أربع ركعات بتسليمة واحدة في النّهار، ولا يكره ذلك في صلاة اللّيل، فللمصلّي أن يصلّي ستّاً وثمانياً بتسليمة واحدة‏.‏

والأصل في ذلك أنّ النّوافل شرعت تبعاً للفرائض، والتّبع لا يخالف الأصل فلو زيدت على الأربع في النّهار لخالفت الفرائض، وهذا هو القياس في اللّيل، إلاّ أنّ الزّيادة على الأربع إلى الثّماني أو إلى السّتّ معروف بالنّصّ، وهو ما روي عن «النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه كان يصلّي باللّيل خمس ركعات، سبع ركعات، تسع ركعات، إحدى عشرة ركعةً، ثلاث عشرة ركعةً»‏.‏

والثّلاث من كلّ واحد من هذه الأعداد الوتر وركعتان من ثلاثة عشر سنّة الفجر، فيبقى ركعتان وأربع وستّ وثمان، فيجوز إلى هذا القدر بتسليمة واحدة من غير كراهة‏.‏

7- واختلفوا في الزّيادة على الثّماني بتسليمة واحدة‏:‏

قال بعضهم‏:‏ يكره لأنّ هذه الزّيادة على هذا لم ترو عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم‏:‏ لا يكره، وإليه ذهب السّرخسيّ‏.‏ قال‏:‏ لأنّ فيه وصل العبادة بالعبادة فلا يكره‏.‏

وقد حكي عن ابن العربيّ المالكيّ أنّ منتهى صلاة الضّحى - عند أهل المذهب المالكيّ - ثمان، وأقلّها ركعتان، وأوسطها ستّ، فما زاد على الأكثر يكره‏.‏

النّوع الثّاني‏:‏ وهو ما يرجع إلى الوقت

8- فيكره التّطوّع في الأوقات المكروهة، وهي اثنا عشر، بعضها يكره التّطوّع فيها لمعنىً في الوقت، وبعضها يكره التّطوّع فيها لمعنىً في غير الوقت‏:‏

فأمّا الّذي يكره التّطوّع فيها لمعنىً يرجع إلى الوقت فهي‏:‏

أ - ما بعد طلوع الشّمس إلى أن ترتفع وتبيضّ‏.‏

ب - عند استواء الشّمس إلى أن تزول‏.‏

ج - عند تغيّر الشّمس، وهو احمرارها واصفرارها إلى أن تغرب‏.‏

وانظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏أوقات الصّلاة‏)‏‏.‏

9- ومن الأوقات الّتي يكره فيها التّطوّع لمعنىً في غير الوقت ما بعد الغروب، لأنّ فيه تأخير المغرب وهو مكروه‏.‏

ومنها ما بعد شروع الإمام في الصّلاة، وقبل شروعه بعدما أخذ المؤذّن في الإقامة، قضاءً لحقّ الجماعة‏.‏

ومنها وقت الخطبة يوم الجمعة، لأنّها سبب لترك استماع الخطبة‏.‏

ومنها ما بعد خروج الإمام للخطبة يوم الجمعة قبل أن يشتغل بها وما بعد فراغه منها قبل أن يشرع في الصّلاة‏.‏

ويستثنى من ذلك تحيّة المسجد على خلاف فيها انظر‏:‏ ‏(‏تحيّة‏)‏‏.‏

ومنها ما قبل صلاة العيد، «لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يتطوّع قبل العيدين» مع شدّة حرصه على الصّلاة، وعن عبد اللّه بن مسعود وحذيفة أنّهما كانا ينهيان النّاس عن الصّلاة قبل العيد، لأنّ المبادرة إلى صلاة العيد مسنونة، وفي الاشتغال بالتّطوّع تأخيرها، ولو اشتغل بأداء التّطوّع في بيته يقع في وقت طلوع الشّمس وكلاهما مكروه، وقيل إنّما يكره ذلك في المصلّى كي لا يشتبه على النّاس أنّهم يصلّون العيد قبل صلاة العيد، فأمّا في بيته فلا بأس بأن يتطوّع بعد طلوع الشّمس‏.‏

وعامّة الحنفيّة على أنّه لا يتطوّع قبل صلاة العيد، لا في المصلّى ولا في بيته، فأوّل الصّلاة في هذا اليوم صلاة العيد‏.‏

الأوقات المستحبّة للنّفل

10 - النّوافل المطلقة تشرع في اللّيل كلّه وفي النّهار فيما سوى أوقات النّهي، وتطوّع اللّيل أفضل من تطوّع النّهار‏.‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أفضل الصّلاة بعد الفريضة صلاة اللّيل، وأفضل التّهجّد جوف اللّيل الآخر» ولما روى عمرو بن عبسة قال‏:‏ «قلت‏:‏ يا رسول اللّه أيّ اللّيل أسمع‏؟‏ قال‏:‏ جوف اللّيل الآخر»‏.‏

ويستحبّ الوتر قبل صلاة الفجر، روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر‏.‏

والأفضل فعل الوتر في آخر اللّيل، فإذا غلب على ظنّه أنّه لا يقوم آخر اللّيل فليفعله في أوّله لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من خاف أن لا يقوم من آخر اللّيل فليوتر أوّله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر اللّيل، فإنّ صلاة آخر اللّيل مشهودة وذلك أفضل»‏.‏

انظر‏:‏ ‏(‏صلاة الوتر‏)‏‏.‏

الشّروع في صلاة التّطوّع

11 - يلزم النّفل بالشّروع فيه - عند الحنفيّة والمالكيّة - لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ‏}‏ ولأنّ ما أدّاه صار للّه تعالى فوجب صيانته بلزوم الباقي‏.‏

وعند الشّافعيّة والحنابلة لا يلزم، لأنّه مخيّر فيما لم يفعل بعد، فله إبطال ما أدّاه تبعاً‏.‏

12 - وذهب الحنفيّة أنّه إذا شرع المتطوّع في الصّلاة فقد قيل‏:‏ لا يلزم بالافتتاح أكثر من ركعتين وإن نوى أكثر من ذلك إلاّ بعارض الاقتداء‏.‏

وروي عن أبي يوسف ثلاث روايات‏:‏

الأولى - أنّ من افتتح التّطوّع ينوي أربع ركعات ثمّ أفسدها فعليه أن يقضي أربعاً‏.‏

الثّانية - أنّ من افتتح النّافلة ينوي عدداً يلزمه بالافتتاح ذلك وإن كان مائة ركعة، وذلك أنّ الشّروع في كونه سبباً للّزوم كالنّذر، ثمّ يلزمه بالنّذر جميع ما تناوله كذا بالشّروع‏.‏

الثّالثة - أنّ من نوى أربع ركعات لزمه، وإن نوى أكثر من ذلك لم يلزمه‏.‏ وكذا في السّنن الرّاتبة أنّه لا يجب بالشّروع فيها إلاّ ركعتان، حتّى لو قطعها قضى ركعتين لأنّه نفل، وعلى رواية أبي يوسف ومتأخّري الحنفيّة قضى أربعاً‏.‏

وبناءً على ذلك فإنّ من وجب عليه ركعتان بالشّروع ففرغ منهما وقعد على رأس الرّكعتين وقام إلى الثّالثة على قصد الأداء يلزمه إتمام ركعتين أخريين ويبنيهما على التّحريمة الأولى، لأنّ قدر المؤدّى صار عبادةً فيجب عليه إتمام الرّكعتين صيانةً له عن البطلان‏.‏

الأفضل في عدد الرّكعات في صلاة التّطوّع

13 - أفضل التّطوّع في النّهار أربع أربع في قول الحنفيّة، فقد صلّى ابن عمر صلاة التّطوّع أربع ركعات بالنّهار،لما روي عن أبي أيّوب عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «أربع قبل الظّهر ليس فيهنّ تسليم، تفتح لهنّ أبواب السّماء» ولأنّ مفهوم قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «صلاة اللّيل مثنى مثنى» أنّ صلاة النّهار رباعيّة جوازاً لا تفضيلاً‏.‏ وقال المالكيّة‏:‏ النّوافل باللّيل والنّهار مثنى مثنى يسلّم من كلّ ركعتين‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ الأفضل للمتنفّل ليلاً ونهاراً أن يسلّم من كلّ ركعتين، لخبر‏:‏ «صلاة اللّيل والنّهار مثنى مثنى»‏.‏

وقد قال أبو يوسف ومحمّد في صلاة اللّيل‏:‏ إنّها مثنى‏.‏‏.‏ مثنى‏.‏

وصلاة اللّيل - عند أبي حنيفة - أربع، احتجاجاً بما ورد عن «عائشة أنّها سئلت عن قيام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في رمضان فقالت‏:‏ ما كان يزيد في رمضان، ولا في غيره على إحدى عشرة ركعةً، يصلّي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهنّ وطولهنّ، ثمّ يصلّي أربعاً فلا تسأل عن حسنهنّ وطولهنّ، ثمّ يصلّي ثلاثاً» وكلمة‏:‏ ‏(‏كان‏)‏ عبارة عن العادة والمواظبة، وما كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يواظب إلاّ على أفضل الأعمال، وأحبّها إلى اللّه‏.‏ وعند الحنابلة‏:‏ صلاة التّطوّع في اللّيل لا تجوز إلاّ مثنى مثنى، والأفضل في تطوّع النّهار كذلك مثنى مثنى، وإن تطوّع بأربع في النّهار فلا بأس‏.‏

ما يقرأ من القرآن في صلاة التّطوّع

ليس هناك ما يفيد توقيفاً في القراءة في صلاة التّطوّع، ولكن هناك ما يفيد ندب آيات أو سور معيّنة في صلوات معيّنة، منها على سبيل المثال‏:‏

الرّكعتان قبل الفجر

14 - يستحبّ في هاتين الرّكعتين التّخفيف، ومن صور التّخفيف عند مالك أن يقرأ فيهما بأمّ القرآن فقط، وقد ورد عن «النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه كان يخفّف ركعتي الفجر على ما روته عائشة قالت‏:‏ حتّى إنّي أقول‏:‏ هل قرأ فيهما بأمّ القرآن‏؟‏»‏.‏

وظاهر هذا أنّه كان يقرأ فيهما بأمّ القرآن فقط‏.‏

وقال الشّافعيّ‏:‏ لا بأس بأن يقرأ فيهما بأمّ القرآن مع سورة قصيرة‏.‏

وقد روي من طريق أبي هريرة أنّ السّورتين هما‏:‏ ‏"‏ الكافرون ‏"‏ و ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏‏.‏

وقال ابن عمر‏:‏ «رمقت النبي صلى الله عليه وسلم شهراً فكان يقرأ في الرّكعتين قبل الفجر بـ ‏{‏قُلْ يَأَيُّهَا الكَافِرُونَ‏}‏ و ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏»‏.‏

وورد عن ابن عبّاس أنّه قال‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما‏:‏ ‏{‏قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية الّتي في البقرة منهما‏:‏ ‏{‏آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ‏}‏»‏.‏

وروى أبو داود «أنّه قرأ في الثّانية‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ‏}‏ أو ‏{‏إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ‏}‏»، فسنّ الجمع بينهما ليتحقّق الإتيان بالوارد‏.‏

والسّبب في اختلاف الرّوايات اختلاف قراءته صلى الله عليه وسلم في هذه الصّلاة، واختلافهم في تعيين القراءة في الصّلاة‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لا توقيف في هاتين الرّكعتين في القراءة يستحبّ، وأنّه يجوز أن يقرأ فيهما المرء حزبه من اللّيل‏.‏

الرّكعتان بعد المغرب

15 - يستحبّ أن يقرأ فيهما ‏{‏قُلْ يَأَيُّهَا الكَافِرُونَ‏}‏ و ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏ لحديث ابن مسعود «ما أحصي ما سمعت من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقرأ في الرّكعتين بعد المغرب وفي الرّكعتين قبل صلاة الفجر بـ ‏{‏قُلْ يَأَيُّهَا الكَافِرُونَ‏}‏ و ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏»‏.‏

ركعات الوتر الثّلاث

16 - عن أبيّ بن كعب قال‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يوتر بـ ‏{‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى‏}‏، ‏{‏قُلْ يَأَيُّهَا الكَافِرُونَ‏}‏، ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏»‏.‏

وعن عائشة مثله، وقالت‏:‏ «في الثّالثة بـ ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏ والمعوّذتين»‏.‏

وهو قول مالك والشّافعيّ وقال مالك في الشّفع‏:‏ لم يبلغني فيه شيء معلوم وقد روي عن أحمد أنّه سئل‏:‏ يقرأ بالمعوّذتين في الوتر‏؟‏ قال‏:‏ ولم لا يقرأ‏؟‏، وذلك لما روت عائشة «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الرّكعة الأولى بـ ‏{‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى‏}‏ وفي الثّانية ‏{‏قُلْ يَأَيُّهَا الكَافِرُونَ‏}‏ وفي الثّالثة ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏ والمعوّذتين»‏.‏

التّحوّل من المكان للتّطوّع بعد الفرض

17 - من صلّى المكتوبة وأراد أن يتطوّع، فإن كان إماماً استحبّ له أن يتحوّل من مكانه وإن كان غير إمام فهو بالخيار إن شاء تحوّل، وإن شاء تطوّع في مكانه‏.‏

وذهب أبو حنيفة والشّافعيّ إلى مشروعيّة التّحوّل بعد الفرض للإمام وغيره، وهو مرويّ عن ابن عبّاس والزّبير وغيرهما، إلاّ أنّ الشّافعيّ قال‏:‏ الفصل بين الفرض والتّطوّع بالكلام يقوم مقام التّحوّل‏.‏

والحجّة في ذلك ما روي عن السّائب بن يزيد قال‏:‏ «صلّيت مع معاوية الجمعة في المقصورة فلمّا سلّم الإمام قمت في مقامي فصلّيت، فلمّا دخل أرسل إليّ فقال‏:‏ لا تعد لما فعلت إذا صلّيت الجمعة فلا تَصِلْها بصلاة حتّى تكلّم أو تخرج، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك»‏.‏

وقد روى ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيّب والحسن أنّهما كان يعجبهما إذا سلّم الإمام أن يتقدّم‏.‏ وقد روي ذلك عن ابن عمر وإسحاق، وإليه ذهب مالك وأحمد، إلاّ أنّ مالكاً كره للمأموم - أيضاً - التّطوّع بعد الجمعة من غير أن يتحوّل‏.‏

وقد روى عطاء الخراسانيّ عن المغيرة بن شعبة قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يصلّ الإمام في الموضع الّذي صلّى فيه حتّى يتحوّل»‏.‏

الجماعة في صلاة التّطوّع

18 - الجماعة سنّة في صلاة العيدين عند المالكيّة والشّافعيّة، وهي ليست بتطوّع عند الحنفيّة والحنابلة‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ صلاة العيدين‏)‏‏.‏

واتّفق الفقهاء على أنّ الجماعة سنّة في الكسوف والخسوف، وكذلك في صلاة الاستسقاء إلاّ عند أبي حنيفة فإنّه لا جماعة فيها عنده، لأنّه لا صلاة فيها‏.‏

والجماعة في صلاة التّراويح سنّة عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ومستحبّة عند المالكيّة‏.‏ والجماعة في صلاة الوتر سنّة في شهر رمضان عند الحنابلة ومستحبّة عند الشّافعيّة وفي قول عند الحنفيّة‏.‏

أمّا ما عدا ما ذكر ممّا تسنّ له الجماعة فالأصل فيه أن يصلّى على انفراد لكن لو صلّى جماعةً جاز لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين كليهما وكان أكثر تطوّعه منفرداً وصلّى بأنس وأمّه واليتيم‏.‏

الجهر والإسرار في صلاة التّطوّع

19 - يستحبّ الجهر بالنّوافل ليلاً ما لم يشوّش على مصلّ آخر، والإسرار نهاراً‏.‏ وإنّما جهر في الجمعة والعيدين لحضور أهل البوادي والقرى كي يسمعوه فيتعلّموه ويتّعظوا به‏.‏ وانظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏جهر ف / 18‏)‏‏.‏

الوقوف والقعود في صلاة التّطوّع

20 - يجوز التّطوّع قاعداً مع القدرة على القيام، لأنّ التّطوّع خير دائم، فلو ألزمناه القيام يتعذّر عليه إدامة هذا الخير‏.‏

ولأنّ كثيراً من النّاس يشقّ عليه طول القيام، فلو وجب في التّطوّع لترك أكثره، فسامح الشّارع في ترك القيام فيه ترغيباً في تكثيره كما سامح في فعله على الرّاحلة في السّفر‏.‏ والأصل في جواز النّفل قاعداً مع القدرة على القيام ما روت عائشة «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يصلّي جالساً، فيقرأ وهو جالس، فإذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آيةً، قام فقرأ وهو قائم، ثمّ ركع، ثمّ سجد، ثمّ يفعل في الرّكعة الثّانية مثل ذلك»‏.‏

وقد روي من طريق آخر ما يفيد التّخيير في الرّكوع والسّجود بين القيام والقعود، حيث فعل الرّسول صلى الله عليه وسلم الأمرين، كما زادت عائشة‏:‏ «أنّها لم تر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلّي صلاة اللّيل قاعداً قطّ حتّى أسنّ، فكان يقرأ قاعداً حتّى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحواً من ثلاثين آيةً أو أربعين آيةً ثمّ ركع»‏.‏

وعنها «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يصلّي ليلاً طويلاً قائماً،وليلاً طويلاً قاعداً، وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد»‏.‏ ولو افتتح التّطوّع قائماً ثمّ أراد أن يقعد من غير عذر فله ذلك عند الحنابلة، وهو قول أبي حنيفة استحساناً، لأنّه متبرّع وهو مخيّر بين القيام والقعود في الابتداء فكذا بعد الشّروع، لأنّه متبرّع أيضاً‏.‏

وعند أبي يوسف ومحمّد لا يجوز، وهو القياس، لأنّ الشّروع ملزم كالنّذر، ولو نذر أن يصلّي ركعتين قائماً لا يجوز له القعود من غير عذر، فكذا إذا شرع قائماً‏.‏

ولو افتتح التّطوّع قاعداً فأدّى بعضها قاعداً، وبعضها قائماً أجزأه لحديث عائشة المتقدّم، فقد انتقل من القعود إلى القيام، ومن القيام إلى القعود، فدلّ على أنّ ذلك جائز في صلاة التّطوّع‏.‏

وقد نقل عن أبي حنيفة عدم جواز صلاة سنّة الفجر والتّراويح قاعداً، لأنّ كلّاً منهما سنّة مؤكّدة‏.‏

وإذا لم يرو خلاف في إباحة التّطوّع جالساً، فقد روي تفضيل القيام حيث قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من صلّى قائماً فهو أفضل، ومن صلّى قاعداً فله نصف أجر القائم»‏.‏ وفي رواية «صلاة الرّجل قاعداً نصف الصّلاة»‏.‏

الصّلاة مضطجعاً

21 - وأمّا صلاة التّطوّع مضطجعاً فظاهر قول أصحاب أبي حنيفة عدم الجواز لعموم الأدلّة على افتراض الرّكوع والسّجود والاعتدال عنهما‏.‏

وقول الجواز مرويّ عن الحسن البصريّ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من صلّى نائماً فله نصف أجر القاعد» وقد قال الحسن‏:‏ إن شاء الرّجل صلّى صلاة التّطوّع قائماً أو جالساً أو مضطجعاً‏.‏

وقال ابن تيميّة‏:‏ التّطوّع مضطجعاً لغير عذر لم يجوّزه إلاّ طائفة قليلة من أصحاب الشّافعيّ وأحمد، ولم يبلغنا عن أحد منهم أنّه صلّى مضطجعاً بلا عذر،ولو كان هذا مشروعاً لفعلوه‏.‏

حكم سجود السّهو في صلاة التّطوّع

22 - قال جمهور العلماء‏:‏ إنّ السّهو في التّطوّع كالسّهو في الفريضة يشرع له سجود السّهو، وقد روى ابن أبي شيبة بسنده عن أبي عقيل أنّه سمع سعيد بن المسيّب يقول‏:‏ سجدتا السّهو في النّوافل كسجدتي السّهو في المكتوبة‏.‏ وإلى ذلك ذهب الأئمّة الأربعة‏.‏ انظر‏:‏ ‏(‏سجود السّهو‏)‏‏.‏

حكم قضاء السّنن

23 - يستحبّ قضاء النّوافل بعد وقتها المحدّد لها على خلاف للفقهاء وتفصيل في ذلك‏.‏ وقال الجوينيّ في قضاء النّوافل‏:‏ إنّ ما لا يجوز التّقرّب به ابتداءً لا يقضى كالكسوف والاستسقاء فإنّه لا يجوز أن يتطوّع به الإنسان ابتداءً من غير وجود سببهما، وما يجوز التّطوّع به ابتداءً كنافلة ركعتين مثلاً، هل تقضى‏؟‏ فيه قولان‏.‏

وانظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏قضاء‏)‏‏.‏

صلاة التّهجّد

انظر‏:‏ تهجّد‏.‏